تعريف
يدعو السلفيون إلى العودة لأخذ الإسلام من أصليه "الكتاب والسنة" بفهم "السلف الصالح" من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان والأئمة أصحاب المذاهب، وتهتم دعوتهم كثيرًا بمسائل "التوحيد" وتصحيح العقيدة، "فالتوحيد هو الذي بعث الله به الرسل والأنبياء"، ولا ينبغي أن يقدم على التوحيد من واجبات الدين شيئاً. يقول محمود عبدالحميد: "تميزت الشخصية السلفية عن غيرها باهتمامها بأمر التوحيد علماً وعملاً، قولاً واعتقاداً، بل يجعل السلفي قضية التوحيد هي القضية الأولي في حياته وهي التي يعيش لتحقيقها فإذا كان الله - تعالى- خلق الإنسان لهذه القضية فجدير به أن يعيش بها
النشأة
نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي (بين عامي 72 ـ 1977) على أيدي مجموعة من الطلبة المتدينين، كان أبرزهم محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح)، ثم ياسر برهامي وأحمد حطيبة فيما بعد، التقوا جميعا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، إذ كانوا منضوين في تيار (الجماعة الإسلامية) الذي كان معروفا في الجامعات المصرية في السبعينيات أو ما عرف بـ"الفترة الذهبية للعمل الطلابي" في مصر.رفضوا جميعا الانضمام إلى جماعة (الإخوان المسلمين) متأثرين بالمنهج السلفي الذي وصل إليهم عن طريق المطالعة في كتب التراث الإسلامي، ومجالسة شيوخ السلفية السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة، ثم تأثرهم بدعوة محمد إسماعيل المقدم، الذي كان قد سبقهم إلى المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ جمعية (أنصار السنة المحمدية) منذ منتصف الستينيات، وقراءاته لكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم. وبمرور الوقت تكونت النواة الأولى للشباب السلفيين تحت اسم "المدرسة السلفية"، عام 1977م بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفي من الجماعة الإسلامية، التي هيمن عليها طلاب الإخوان و"فرضوا منهجهم"، حيث شرع محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد "عمر بن الخطاب" بالإبراهيمية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقى الأسبوعي لهذه المجموعة الصغيرة إلى جانب حلقة أخرى بمسجد "عباد الرحمن" في "بولكلي" صباح الجمعة، ولم يكن مع المقدم أحد في هذه الفترة غير زميله أحمد فريد، الذي يحكي في مذكراته عن هذه الفترة، قائلا: "كان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يحفظنا متن "العقيدة الطحاوية"، وكذا "تحفة الأطفال"، وكلفني بتدريس كتاب "مدارج السالكين"".
مرحلة التكوين
بعد انفصال "المدرسة السلفية" عن تيار الجماعة الإسلامية في الجامعات وتخرج هؤلاء الطلاب أطلق عليها "الدعوة السلفية" في العام 84-1985؛ وذلك لإثبات "شمولية دعوتها". على حد قول الشيخ عبد المنعم الشحات. وخلال مرحلة الانتشار والتوسع، منذ منتصف الثمانينات، أسست الدعوة السلفية معهد "الفرقان لإعداد الدعاة" في الإسكندرية عام 1986، كأول مدرسة إسلامية ذات منهجية سلفية لتخريج الدعاة، وشرع الدعاة السلفيون يشرفون عليه ويضعون مناهج التدريس لطلابه، وقد لاقى هذا المعهد سمعة طيبة حتى ذاع صيته بين الراغبين في طلب العلم الشرعي بكافة فروعه (فقه، تجويد، حديث، أصول، توحيد، قرآن) حتى من بين خريجي الأزهر. وفي فترة وجيزة خرج المعهد عددا من الدعاة حملوا مشعل الدعوة السلفية في مصر، انتشروا في عدد من المحافظات والأقاليم حتى صارت الدعوة السلفية بفضله تصدر دعاتها إلى كل أقاليم القطر المصري وخارجه، وهم الذين هيؤوا لها فيما بعد هذا المدد السلفي الذي بات ملحوظا، على الرغم من أنهم اختاروا منهجاً دراسياً متعمقاً يفوق عمقه المناهج التي تدرس في المعاهد الدينية الرسمية وغير الرسمية. كما أصدرت الدعوة السلفية في هذه المرحلة مجلة (صوت الدعوة) وهي مطبوعة إسلامية شهرية ظلت تصدر دون انتظام إلى حين تم إيقافها نهائيا سنة 1994م، وكانت تهتم بكل ما يتعلق بالمنهج السلفي من خلال مقالات شرعية مطولة يكتبها الدعاة السلفيون. ولم يتوقف النشاط السلفي في الإسكندرية على الجوانب التعليمية والدعوية فحسب، بل تعداه إلى جوانب اجتماعية وإغاثية ككفالة الأيتام والأرامل، وعلاج المرضى، وغير ذلك من النشاطات جرى العمل فيها من خلال "لجنة الزكاة" التي كان لها فروع في كل منطقة وحي من مناطق وأحياء الإسكندرية. وقد استلزم هذا الانتشار السعي إلى ترتيب هذا العمل متعدد المجالات سواء داخل الإسكندرية أو خارجها، لاسيما مع ازدياد أعداد المنتسبين إلى السلفية والمتأثرين بمنهجها. لذلك أنشأ السلفيون "المجلس التنفيذي" ليدير شؤون الدعوة في المناطق المختلفة بطريقة مركزية منظمة. وأيضا تم تشكيل "لجنة المحافظات"، و"اللجنة الاجتماعية"، و"لجنة الشباب" كل ذلك خلال السنوات مِن 86 إلى 1992. حيث تم تكوين أول جمعية عمومية للدعاة - وليس لعموم الإدارة - الذين تم اختيارهم مِن قِبَل المنتسبين للدعوة؛ "بناءً على الكفاءة والأمانة المنهجية، والدعوية، والسلوكية، والخلقية"، على حد قول الشحات، ثم اختارت الجمعية العمومية "القيم" ـ وهو المسؤول الأول عن الدعوة ـ ونائبه ومجلس الإدارة بالاقتراع السري المباشر، وانتهى الأمر باختيار الشيخ "محمد عبد الفتاح أبو إدريس" قيمًا، والشيخ "ياسر برهامي" نائبًا، وعضوية كل من: الشيخ محمد إسماعيل، والشيخ أحمد فريد، والشيخ أحمد حطيبة، والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ علي حاتم. وكانت قرارات المجلس التنفيذي تـُتخذ بالأغلبية مع ترجيح جانب "القيِّم" ـ الذي هو بمثابة رئيس الدعوة السلفية ـ عند التساوي. ولما كانت الدعوة "جزءا من واقع مليء بالحسابات المعقدة"، على حد تعبير الشيخ ياسر برهامي، فقد استفز توسع السلفيين الأجهزة الأمنية التي شرعت في التضييق عليهم، محاولة تفكيك الروابط التنظيمية لهذا التجمع الأصولي الذي جذب في فترة محدودة عشرات الآلاف من الشباب المتدينين، وبلغ هذا التضييق ذروته في القضية التي تم فيها توقيف قيم الدعوة السلفية الشيخ أبو إدريس، والشيخ سعيد عبد العظيم عام 1994، وهي القضية التي تم فيها وقف مجلة "صوت الدعوة"، وإغلاق معهد "إعداد الدعاة"، الذي جرى تسليمه لوزارة الأوقاف على أساس أن الوزارة سوف تستمر في العمل وهي التي سوف تشرف عليه، إلا أن ذلك لم يحدث وتوقف العمل فيه تماما، كما جرى حل "المجلس التنفيذي"، واللجنة الاجتماعية، ولجنة المحافظات. ولم يبق للسلفيين من مجالات عمل سوى الجامعة وبين الطلائع، وهو ما لم يتم الاعتراض عليه من قبل الأجهزة الأمنية في هذه الفترة وظل مستمرا حتى عام 2002، العام الذي تم فيه إيقاف العمل في الجامعة والطلائع والعمل خارج الإسكندرية، وقد كان السفر والتنقل ممنوعاً على الدعاة السلفيين خارج الإسكندرية منذ أواسط التسعينيات. وإزاء هذا القمع والاستهداف المبيت على ما يبدو ينفي السلفيون أن يكون العمل في الجامعة والمحافظات ـ المبررات التي كانت مطروحة آنذاك ـ هو السبب في استفزاز الأجهزة الأمنية ضدهم، بل يرجعون أسباب هذه الضربات الأمنية المتتابعة إلى الأحداث العالمية والحرب الأمريكية على ما يسمى الإرهاب التي كانت في ذلك الوقت ذات تأثير كبير على مستوى العالم وكان لها انعكاساتها على المستوى المحلي.
السرية والعمل التنظيمي
بالرغم من اتساع الرقعة التي يشغلها السلفيون من الخارطة الإسلامية في مصر إلا أنهم يعملون بلا تنظيم هرمي ينخرطون فيه ويسير شئون دعوتهم. وعلى عكس "الإخوان" و"الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" و"حزب التحرير" ليس في أدبيات السلفيين كلمة "تنظيم" على الإطلاق، بل يستعيضون عنها بمصطلح "العمل الجماعي"، ويرون ذلك تحصيل حاصل؛ لأن كلمة "جماعي" تغني عندهم عن كلمة "تنظيمي".
أما تعريفهم للعمل الجماعي فهو: "التعاون على ما يُقدر عليه من إقامة الفروض الكفائية مثل الأذان، وصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والأعياد، والدعوة إلى الله، والقيام على حقوق الفقراء والمساكين، وتعليم المسلمين وإفتائهم بمقتضى الشرع، وسائر ما يقدر عليه من فروض الكفايات".
إذ أن لهم تأصيل شرعي في كافة تفريعات العمل التنظيمي، مثل: البيعة، والسرية، والشورى، ووجود الإمام من عدمه، وأيضا قضية "المسمى"، وهم يستمدون موقفهم في العمل الجماعي (التنظيمي) من فتاوى وكتابات عدد من العلماء القدامى مثل ابن تيمية، والإمام الجويني، والعز بن عبد السلام، ومن العلماء المعاصرين الإمام الألباني، وعبد العزيز بن باز، وابن عثيمين، وعبد الرحمن بن عبد الخالق، الذي يقول في كتابه "أصول العمل الجماعي": "إن أي جماعة تجتمع على مقتضى الكتاب والسنة والالتزام بإجماع الأمة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم هي جماعة مهتدية راشدة ما دام أن اجتماعها وفق هذه الأصول ووفق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]"، ولا يفرق عبد الخالق في تأسيس الجماعات بين حالتي حضور الإمام وغيبته، مؤكداً "أن وجود الإمام العام لا يلغي وجود الجماعة الصغرى، وجماعة الدعوة والبر والإحسان.. فإذا كان الإمام العام راشداً قائما بالحق فإن الجماعة الصغرى سند له وقوة". وبشكل عام يرى السلفيون جواز ومشروعية العمل الجماعي (المنظم)، بشرط تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وهو ما يلزم عندهم أشياء منها: عدم المصادمة مع الحكومات المدنية؛ لأن ذلك يجر على الدعوات كثيراً من المفاسد ويجعل الناس تستهين بدماء المسلمين، والبعد عما يفهم منه خطأ البيعة والسرية حال التمكن من الجهر بالدعوة، فتكون السرية حينئذ مخالفة للمقصود منها، وعدم التعصب للجماعة، بل يكون التعصب للحق. وفي إطار الجدال حول "البيعة" المعروفة لدى "الإخوان" و"الجماعة" و"الجهاد"، وقضايا أخرى مثل "السرية" و"الخروج على الحاكم"، يرى السلفيون أن البيعة ليست شرطاً للعمل الجماعي، بل يرون إمكانية وجود عمل جماعي بغير بيعة، وكذلك عمل جماعي علني غير سري، وأيضا من دون خروج على السلطات القائمة، بل يرون أن هذا هو الأصل والأكثر شيوعاً لديهم. فقد سئل الشيخ ياسر برهامي عن رأيه في البيعة التي تأخذها الجماعات لقادتها؟ فأجاب: "أقول بلا مداراة، ولا مداهنة، ولا كذب لمصلحة الدعوة، ولا تعريضا - كما يحاول البعض أن يتهمنا - ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى.. وأن هذا لازم لنا من غير بيعة"، وهو يرى أن مسألة البيعة حصل فيها "نوع من الخلل في الفهم؛ لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة".
وهو يفرق بين معان مختلفة للبيعة بعضها سياسي "وهذا يكون للإمام الممكن"، لكن هناك بيعة أخرى على الطاعات، ويضرب برهامي مثالاً لذلك بالمبايعة على إقامة الصلاة، حيث إن "الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يبايع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وهو أمر مشروع إذ هو نوع من العهد، كأن أقول لك مثلا: عاهدني بأن تحافظ على صلاة الجماعة، عاهدني على أن تحقق التعاون على البر والتقوى، عاهدني بأن تحافظ على طلب العلم".
أما بالنسبة لـ"العلنية" فهي اختيار فكري لدى السلفيين، غير متأثر بالظروف الأمنية أو غيرها؛ لأن "السرية" كمبدأ مرفوضة عندهم تماماً، رغم كونهم يعترفون بأنها (السرية) منهج نبوي قديم، كما كان عليه الحال في دار (الأرقم بن أبي الأرقم) ودعوات الأنبياء في كثير من الأحيان، وقد سئل ياسر برهامي عن شعار (السلمية والعلنية) الذي رفعه السلفيون، فذهب إلى: "أن الأصل في الدعوة العلن والبيان، ونحن في واقعنا لا نحتاج إلى سرية، وقد تمكنا من الدعوة العلنية بحمد الله"، وبالنسبة للسرية يوضح أنها "سرية وهمية أضر من العلنية"، أما (السلمية) فبها يحصل أنواع من الخير ودفع الشر لأهل الإسلام، لكن "لا يعني ذلك أن كل أحوال المسلمين في كل مكان وزمان كذلك، فنحن لا نبطل الجهاد بالقوة والسنان، وموقفنا واضح من الجهاد في بلاد المسلمين التي نزلها الأعداء، كأفغانستان والبوسنة وفلسطين والشيشان والعراق"، على حد قوله. ومن ثم يرى السلفيون أنهم ليسوا بحاجة إلى ما اصطلح على تسميته بـ"التنظيم"؛ نظراً لأن جل دعوتهم منصب على العمل التربوي والدعوي داخل المساجد، وبالتالي فوحدة العمل عند السلفيين لا تحتاج إلى قدر كبير من العمق التنظيمي، حيث لا حاجة لأجنحة سياسية وأخرى اقتصادية، ونحو ذلك مما "يغري" الأحزاب والجماعات السياسية، ولعل طبيعة العمل السلفي الذي يبتعد عن السياسة ومعاركها، جعل اهتمام السلفيين موجهاً بالأساس إلى تربية الأفراد، ورفع مستواهم العلمي (الديني)، وقدرتهم على رؤية الواقع وقياسه بمقاييس شرعية. ولعل ما سبق يفسر لنا طبيعة الحركة السلفية وعملها في الإسكندرية؛ إذ كان منصبا بالأساس على نشر المنهج السلفي من خلال الدروس والندوات والدورات العلمية، فهي حالة دينية في عمومها تهتم بالأبعاد العلمية والدعوية والتربوية، وهذه لا تحتاج إلى تنظيمات ولا عمل تنظيمي.
ولا يُخفي السلفيون أن العائق الأمني وما قد يجره من اتهامات وملاحقات كان نصب أعينهم وهم يتخلون طواعية عن العمل التنظيمي، مبتعدين بمنهجهم عن مسلك باقي الجماعات الإسلامية، وهم يعتبرون في ذلك بتجارب تاريخية مأساوية مرت على المجتمع المصري، وكانت نتيجتها سيئة على صحوة العمل الإسلامي، ليس في مصر وحدها بل في العالم، فهم يعدون العامل الأمني أحد العوامل التي تؤثر في رؤيتهم للتنظيم، وإن كان ليس العامل الوحيد.
فإلى جانب الحاجز الأمني يذهب السلفيون إلى أن ظروف النشأة لديهم - التي تختلف عنها لدى الإخوان - سبب آخر جعلهم لا يفكرون في مسألة التنظيم، فبينما أتاحت نشأة الإخوان القديمة تاريخياً فرصة أكبر من أجل تنظيم صفوفهم وترتيب وظائفهم وواجباتهم والتزاماتهم الإدارية، لم تكن نشأة السلفية الحركية لتهيئ جواً مساعداً للتنظيم، وهم يرون أن الواقع الحالي لا يسمح بأي صورة من صور التنظيمات السلفية، في حين تم التعامل مع الإخوان كأمر واقع مع محاولات عديدة لاستئصالهم لا تنجح غالبا؛ لأن التنظيم عند الإخوان قديم قدم دعوتهم ذاتها.
وفي حين تمثل قضية (السمع والطاعة) عاملا رئيسيا في الانضباط التنظيمي لدى الإخوان، يعول السلفيون على تقديم (الدليل الشرعي)، والنظرة الإسلامية الأصيلة للعلماء والدعاة من حيث احترامهم وتوقيرهم، مما يجعل حبهم وطاعتهم لازما من لوازم التعاون على البر يقوي البناء الروحي بين عناصر الحركة، وإن كان يلغي الارتباط التنظيمي أو على الأقل يضعفه. يقول الشيخ عبدالمنعم الشحات: "استطاعت الدعوة عبر عقود قيادة أبنائها دونما أطر تنظيمية أو بأطر ضعيفة؛ مما يؤكد متانة الروابط بيْن الدعوة وأبنائها". والسبب في ذلك "أنها تربيهم على إتباع الدليل؛ مما يجعله هو ومعلمه في النهاية - وإن تفاوت الفضل والسبق- في منزلة "كل يؤخذ مِن قوله ويُترك".
الدولة والنظرية السياسية
لم تسع السلفية في سابق عهدها إلى الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد"، بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي: "والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها"، شعارا لهم على حد قول الشيخ ياسر برهامي. ولم يشارك السلفيون في أي عمل سياسي من قبل في مصر، بل كان لهم موقف يتمثل في عدم الاقتراب من أي مشاركة أو استحقاق سياسي في البلاد، وذلك لعدد من الأسباب منها:
1.رفض "الديمقراطية" كنظرية غربية حاكمة للمنظومة السياسية في مصر، باعتبار ما فيها من مخالفات شرعية، وأيضا باعتبارها نظرية غربية ظهرت بعيدا عن قيم الإسلام ومبادئه، وأنها ليست الشورى البديل الإسلامي الأولى والأجدر بأن يكون حاكما للمنظومة السياسية. وينظر السلفيون إلى كون الديمقراطية لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي "بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلاميةأو تأتي بمن يجهر بعداء الدين"، على حد قول الدكتور سعيد عبد العظيم.
2.العداء الذي كان ينتهجه النظام الحاكم في مواجهة الإسلاميين ومن ورائه القوى السياسية والثقافية والإعلامية التي كانت تناصبهم هي الأخرى نفس العداء. الموقف الدولي والإقليمي من أي انخراط إسلامي في العملية السياسية قد يفضي إلى وصولهم إلى سدة الحكم في مصر، وما كان يستلزمه هذا الموقف من تقديم تنازلات شرعية لا يرضاها السلفيون تجاه بعض القضايا. ومع كل هذه الاعتبارات لم يغلق السلفيون كل الأبواب أمام النظام الديمقراطي، بل كانوا يرون أنه يمكن لهم المشاركة في ظل الديمقراطية واستثمارها لتطبيق الشريعة الإسلامية، بشرط عدم إقرار الباطل أو المشاركة في المنكر، إذ أن "آلية اختيار قيادة عن طريق الأغلبية أمر مقبول من حيث الجملة (…) وهي النقطة التي تحدث لبسًا لدى البعض بين جواز اعتماد مثل هذه الآلية كطريقة لاختيار القيادة أو لاتخاذ القرار، وبين الديمقراطية كنظام حكم"، كما يقول الشيخ عبد المنعم الشحات. لكن وخلال طيلة حكم النظام السابق اقتصرت مشاركة السلفيين على دعم المرشحين الإسلاميين في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية، بينما كانوا يمتنعون عن التصويت لهم في الانتخابات البرلمانية لما يرون فيها من ضرورة الإقرار بـ"الباطل"، كحضور سن القوانين المخالفة لأحكام الإسلام.
في مقابلة أجريناها قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في عهد مبارك، سألتُ الشيخ عبد المنعم الشحات: هل من الممكن أن يؤيد السلفيون الإخوان باعتبارهم القوى الإسلامية الوحيدة التي ستشارك؟ فأجاب: هذا الأمر حدث في انتخابات الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية؛ لكونها جهات غير تشريعية، ولا يلزم الداخل فيها إقرار بباطل ولا منكر (…) أما في الانتخابات النيابية فغير وارد للمخالفات الشرعية".
وفي رسالة "موقف الدعوة السلفية من الانتخابات البرلمانية " كتب الشيخ محمد إسماعيل المقدم: لو ذهب إنسان ينتخب الإخوان المسلمين فإننا لا نزجره؛ احتراماً للخلاف الفقهي في هذه المسألة، لاسيما إذا كان المرشح أمامه معادياً للإسلام أو من هؤلاء القوم الذين يستعينون بأمريكا التي تسن لنا السكين, فقد يكون من وراء هذه المجالس خير، وهذا سوف يسرنا ولا يزعجنا, فدعهم يحاولون الإصلاح من هذه المجالس، ونحن لا نضلل المخالف لنا في هذه المسألة؛ لأنه يوجد فيها خلاف فقهي بين العلماء". ويقر السلفيون بأن رفضهم الدخول في اللعبة السياسية جعلهم بعيدين عن "حالة الاستقطاب التي كانت تمارسها بعض الاتجاهات القومية، بل والعلمانية مع بعض الاتجاهات الإسلامية"، فبقيت الدعوة السلفية "لا تغازل أحداً ولا يغازلها أحد، بل بدا الأمر في بعض الأحيان على أنه لا يهابها أحد على نفسه"، كما يقول الشحات. واستمر الحكم في قضية مشاركة السلفيين في العملية السياسية تلخصه عبارة للشيخ ياسر برهامي (21- نوفمبر- 2010) يقول فيها: "ولو وجدت طائفة صالحة للمهمات العظيمة في قيادة الأمة وتغيرت الموازين الحالية؛ لكان لنا موقف آخر".
وما إن وقعت أحداث ثورة الـ 25 من يناير بما أوجدته من متغيرات جذرية داخل مصر، وجد السلفيون أن الظروف باتت مهيئة إلى حد يسمح لهم بمساحة لا بأس بها من المشاركة الايجابية، ومن ثم جاء إعلانهم رسميا المشاركة السياسية حسبما جاء في بيانهم بتاريخ 22-مارس-2011 .
ومؤخرا سمحوا لمن أراد من طلابهم خوض انتخابات الاتحادات الطلابية وغيرها "بناءً على قاعدة المصالح والمفاسد"، حسبما جاء على موقع "صوت السلف" 2-إبريل-2011 "فكل ما يُعين على تقليل الشر والفساد وإن لم يمنعه بالكلية، ويعين على تكثير الخير والصلاح ولو لم يؤد الواجب كله؛ فهو مشروع داخل في قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة:2)".
وحيث يرى السلفيون في العمل السياسي "وسيلة مِن وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وأن الهدف والغاية هي تعبيد الناس لرب الناس. رأت "الدعوة السلفية" ـ بالرغم من إعلان مشاركتها السياسية ـ أهمية في الحفاظ على بقائها جماعة "دعوية"، تقديرا وحفاظا على رؤيتها لدور الدعوة المتمثل في: "حراسة الدين"، و"السعي إلى إقامته". وقامت بتشكيل حزب النور كذراع سياسي لها ليساهم في تطبيق رؤيتها للسياسة الشرعية مستغلين مناخ الحرية القائم بعد ثورة 25 يناير.